هدر للمال العام والخاص بتكلفة تقارب المليار ليرة سورية" هذه أهم عقبات تعميم وزارة الصحة السورية الخاص باستيراد المعدات الطبية برأي التجار والمهندسين الطبيين، هذا القرار فرض تسجيل ترخيص الشركات المنتجة للتجهيزات الطبية المحلية والدولية وتسجيل منتجاتها ومن ثم الحصول على إذن بالاستيراد بعد التسجيل في كل مرة يستورد بها التاجر أو المهندس أو المستشفى الخاص أدوات طبية وإن كانت مسجلة، وهذا يعني المزيد من الورقيات ومن ثم هدر المال والوقت للحصول على الموافقات الخاصة من جديد لتوريد أي قطعة مهما كانت صغيرة أو كبيرة.
خسارة مليار ليرة
التعميم الذي حمل الرقم 10753 يتسبب بخسارات أخرى إضافة لخسارة المليار ليرة كل سنة تقريباً فالتكلفة العالية للتصديق والحصول على الأوراق والمراسلات بالبريد السريع تصل تكلفتها في كل مرة إلى حوالي 45 إلى 60 ألف ليرة لكل شركة منتجة وجميع تلك الأموال تذهب كمراسلات وطوابع وغيرها لصالح الشركات المنتجة الأجنبية وهذا ما اعتبره التجار والمهندسون خسارة للبلد لصالح الغير فلماذا لا تصرف هذه الأموال لتطوير الصناعة المحلية أو تشجيع إنشاء مكاتب مرخصة لإجراء معايرة لرفع الجودة؟.
وبحسب توضيح التجار الذين التقاهم "دي برس" يزيد التعميم البيروقراطية والروتين الإداري وإطالة زمن المعاملات وفتح باب للرشوة وهذا ما يحدث بحسب تأكيدهم خاصة أن عمر التعميم يزيد عن عام، فعملية التسجيل تبدأ بالتنقل بين مكاتب الوزارة والمديرية وتكرار ذلك كلما غاب أحد الموظفين أو مديره ولمدة تصل في بعض الحالات لأكثر من أسبوعين بل تصل لأشهر وهذا مثبت ببعض المعاملات بحسب رواية التجار، وجميع ما سبق لجميع مراحل التسجيل الشركة أو المنتج أو كل عملية استيراد ويترافق ذلك مع الاستغلال من ناحية الوقت والمال وقلة الاحترام للتجار من قبل المديرية ومن قبل الجمارك إضافة لوجود بضاعة في المطار وقطع غيار تحتاجها الجهات الطالبة بسرعة ومضطرة عليها وعندها تبدأ دورة الروتين القاتل دون أدنى إحساس من القائمين عن العمل بالضرر الذي يسببونه وعدم إدراكهم بأن عملية التخليص بأغلب دول العالم المتقدم وحتى الدول المحيطة تستغرق دقائق وبأسوأ الأحوال ساعات أما لدينا فقد تصل لأيام وأسابيع بل أشهر مع وجود هذا التعميم والحالات الموجودة مثبته وهنا يسأل التجار بأن من يتحمل كل هذا الابتزاز والضرر والهدر للكرامة والوقت والمال والحديث لأصحاب الشركات
يخالف مرسوم رئاسي
أما من الناحية التشريعية فهذا التعميم وإجراءاته التنفيذية تخالف قوانين منع الاحتكار المعمول بها في العالم أجمع ومخالف لنص المرسوم التشريعي رقم 60 لعام 1957 وتعديلاته والذي قضى بإلغاء الوكالات الحصرية كما يخالف القانون رقم 7 لعام 2008 الذي منع الاحتكار، فما ورد في التعميم والاستمارات المطلوب ملؤها وطريقة تعامل القائمين على الموضوع بكون الشركة لها وكيل أو ممثل يتعارض مع مرسوم إلغاء الوكالات الحصرية إضافة لطلب وزارة الصحة تسجيل الشركة أكثر من مرة من قبل كل من يريد الاستيراد وهذه الحالة اعتبرها التجار مخالفة للقانون وتكرس حالة الاحتكار وزيادة الأسعار وعدم عدالتها وتفتح باب المحسوبيات لتسجيل منتج أو إيقافه أو السماح لمستورد ومنع الآخر، وهل ستتعامل الوزارة بشفافية ولديها موقعاً إلكترونياً بهذا الخصوص توضح به الشركات المسجلة لكي لا تتكرر نفس الطلبات لنفس الشركات من جهات مختلفة؟ أم سيمنع مكتب أو مهندس من استيراد بضاعة لشركة أخرى كي لا ينافسها أو يطلب منع تسجيلها مرة أخرى كما هو حاصل الآن؟ ليهدر وقت إضافي ومال، وهنا طالب أصحاب المكاتب وزارة الصحة كما فعلوا سابقاً لمرات عديد من خلال شكاوى كثيرة بالتراجع عن التعميم أو إعادة النظر فيه وطرحوا لكل مشكلة حلاً يناسبها وبالنسبة لتسجيل الشركات اقترحوا إصدار قوائم الشركات المسجلة وعدم تسجيل الشركة أكثر من مرة والسماح لكل الناس باستيراد بضائع الشركات المسجلة عملاً بقانون إلغاء الوكالات وعدم الالتفاف عليه.
رد الصحة هزيل
ومن بين المشكلات التي تسبب بها التعميم وأيضاً برأي التجار وبعض المطلعين على واقع تجارة الأدوات الطبية هو زيادة الأسعار التي انعكست على المستهلك فالمبالغ المدفوعة للخارج كمراسلات وطوابع ورسوم للحصول على شهادات خبرة ومنشأ وغيرها إضافة للوقت الإضافي وقلة المنافسة بالسوق يؤدي إلى غلاء الأسعار والذي انعكس وسينعكس على وزارة الصحة أيضاً ومستشفياتها إضافة للمستشفيات الخاصة والعيادات وغيرهم من المستهلكين.
وقبل الخوض بالمزيد من التفاصيل المتعلقة بالتعميم السالف الذكر جاء رد وزارة الصحة على مذكرة اعتراض التجار الأخير بأن الوزارة تتبع المعايير العالمية المتبعة في دول العالم ودول الإقليم "منظمة الغذاء والدواء لدول الخليج – الأردن – مصر – تونس -...." وهذا الأمر منذ فترة طويلة حيث أسست فريق تجانس عربي لمراقبة الأجهزة والمنتجات الطبية أسوة بما هو معمول به في دول العالم المتقدمة، وخاصة أن معظم المستلزمات الطبية أصبحت تحوي على منتجات بيولوجية مثل "خيوط جراحية من منشأ حيواني – صمامات قلب – طعوم جلدية وعظمية وغيرها" وعملاً بتوصيات منظمة الصحة العالمية والتي تتضمن ضرورة تشكيل لجان للتشريعات الدوائية والمستلزمات الطبية لشرط ومراعاة وسلامة الأمن البيولوجي والصحة العامة برزت أهمية ضبط آلية دخول المنتج الطبي الجيد الذي يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على صحة المواطن والكلام لرد مديرة التجهيزات والمستلزمات الطبية في وزارة الصحة سمر صابوني.
لكن الواقع بحسب رواية التجار غير ذلك تماماً وهناك فارق كبيرة بين المنتجات الطبية والمستلزمات الطبية لا يلمسه التعميم ولا يراعيه ولا تراعيه المديرية التي لا تستجيب لأي من الشكاوى إلا بالتعجيز أو الامتناع عن الرد، لكن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الصحة طلب عدم ذكر اسمه أقر أن التعميم تسبب ببعض الصعوبات والوزارة تعمل على معالجة تلك الصعوبات في حين الواقع يتحدث عكس ذلك، وقد جاءت بحسب المصدر المسؤول فكرة التعميم كمحاولة يمكن تسميتها "ضبط الفوضى القديمة" وهو أول آلية مشددة لاستيراد الأدوات الطبية والمستلزمات الصحية.
وعود بالحل
لكن أصحاب المكاتب المتخصصة باستيراد المستلزمات الطبية لا يرفضون الضبط شرط أن يكون من باب التسهيل لا التعقيد وهنا يؤكد على سؤال جدوى تعميم وزارة الصحة الخاص باستيراد المستلزمات والأجهزة والمستهلكات الطبية؟ والذي زاد الأمور تعقيداً حيث ضم قائمة مطولة من الموافقات والشهادات التي تبدأ بشهادة المنشأ ولا تنتهي عند حدود الجودة الأميركية أو الأوروبية أو شهادة ثقة محلية أو تأكيد بيع المنتجات المراد توريدها في البلد المصدر وموافقات وزارتي الصحة والخارجية في الدولة المصدرة على الشركة ومنتجاتها وإعطائها ما يمكن تسميته موافقة توريد لسورية، ودون الدخول بالتفاصيل فقصة أغلبية أصحاب شركات توريد المستلزمات الطبية متشابهة إذ هناك أدوات طبية رميت في المطار بانتظار الحصول على الموافقات المطلوبة من وزارة الصحة، وتحدث أحد التجار المهندس "محمد منعم" عن المستلزمات الطبية التي وردها من ألمانيا وسويسرا وبقيت ثلاثة أشهر على أرض مطار دمشق الدولي بانتظار تحقيق ما سبق وبالطبع هذا يعني المزيد من الرسوم والمزيد من غرامات التأخير.
والواقع يروى بلسان «منعم» مراسلاته «أرسلت إلى الشركة الألمانية الأولى والتي ردت بأن التوقيع من وزارة الصحة والخارجية غير ممكن لأن الوزارتين المذكورتين لا علاقة لهما بهذه المهمة فهي من اختصاص غرفة التجارة فقط، أما الشركة الثانية وهي ألمانية أيضاً فقد راسلت الجهات المطلوبة وجاء الرد ذاته بأن الجهة المعنية بهذا الأمر هي غرفة التجارة فقط»، والحكاية لا تقف عند حدود ألمانيا وتتجاوزها إلى سويسرا أي الشركة الثالثة ولديها كل شهادات الجودة المطلوبة في العالم وصدر القرار وغرم بسبب أخير البضاعة في المطار ثلاثة أشهر، وردت مديرة المبيعات في الشركة السويسرية على «منعم» «بأن لا علم لهم بهذه الأوراق وشركتهم لم تطلب منها مثل هذه الأوراق نهائياً وطلبت منه بأن يوافيها باسم شركة حصلت على هذه الموافقات فهي لم تستطع أن تحصل عليها وهناك المسألة تحسب بالوقت وهذه الأوراق مكلفة وتهدر الزمن».
إحدى الشركات الألمانية أشارت على المستوردين السوريين بإتباع الطريقة الأردنية للبيع ضمن ما يسمى «ورقة بيع» تضم اسم الشركة ومجموعة شهادات الجودة التي حصلت عليها والمواد التي تنتجها وإلى أي بلد تورد بضاعتها وهذه الورقة أشبه ببيان حال عن وضع هذه الشركة، وهذا الحل ممتاز بحسب تعبير «منعم» وخاصة أنه يشمل أيضاً شهادات الجودة الخاصة بكل منتجاتها كل واحدة على حدة وكذلك الحال في صربياً حيث تطالب بورقة مشابهة للأردن، و«هنا نرى» والكلام «لمنعم» أن «المطلوب إرباك وتراكم للأجهزة في المطار لثلاثة أشهر وأسابيع طويلة وأغلبية الشركات الموردة تعاني من المسألة ذاتها وليس المطلوب الحل أو النظام».
ولا تقف المسألة عند حدود الحصول على تلك الموافقات بل تتجاوزها لحد دفع الكثير من الأموال لمصلحة شركات المراسلات والشركات الأجنبية الموردة لأجهزة بهدف الحصول على هذه الأوراق، على حين المسألة برأي «منعم» الحاصل على شهادة هندسة طبية لا تقف عند نوعية جيدة للجهاز بل بالمعايرة التي تحافظ على نتائج الجهاز وأداءه».
ويخلص الموردون للأجهزة الطبية إلى نتيجة مفادها بأن «لا فائدة من العملية نهائياً وخاصة أن العمل لا يتعلق بالصحة المباشرة فهذا جهاز لا دواء والمحافظة على هذه الأجهزة يكون بمعايرتها بشكل دائم وهناك مهندسون طبيون يعملون لمصلحة الوزارة في كل مستشفى لماذا لا يُفعل دورهم بمعايرة الأجهزة ومتابعة أدائها؟
كما لم يميز التعميم بين المستهلكات والأجهزة وكأنها أدوية ولكن الدواء يستورد من جهة واحدة بينما الأجهزة تورد بكميات قليلة وكل عام يحضر جهاز كبير وأحياناً لا يتمكن من توريد جهاز إلا كل ثلاث سنوات وهناك منافسة كبيرة لوجود الكثير من الشركات وهناك شركات لديها الكثير من المنتجات وبعضها ينتج 22 ألف منتج واليوم في مديرية المستلزمات الطبية أصبح القبول بتعهد لإحضار الأوراق وأنا وقعت بحسب بلد المنشأ وتسجيل الدواء يأخذ ثلاثة أشهر وبعد هذا التعقيد كم من الزمن سنحتاج لتصديق الأوراق.
جميع ما سبق سمته وزارة الصحة تنظيم استيراد المستلزمات الطبية ووضعها في نصابها وبحسب تعبير معاونة وزير الصحة «رجوة جبيلي» فإن المسألة لم تنته بعد وهناك محاولات كما وعدت بإعادة النظر في التعميم ودراسته لتحقيق الغاية المثلى دون التقليل من أهمية المراقبة للمواد الموردة وضبط كل ما سمته بالفوضى الموجودة في قطاع استيراد التجهيزات الطبية ولذا لا بد من وجود قانون وهناك دائماً عنق زجاج لتطبيق النظام يجب عبوره، ولكن هذه الإمكانات لا تمنع من الوصول إلى الهدف المرجو ووعدت «جبيلي» في الختام بدراسة اقتراحات أصحاب الشركات للوصول إلى الصيغة الأصح والأمثل ولا جديد حتى اللحظة بعد مرور أكثر من أربع أشهر على مذكرة التجار وأصحاب العلاقة إلى وزير الصحة التي جاء ردها إنشائياً هزيلاً بجواب إلى وزير الصحة من مديرة التجهيزات الطبية يعود تاريخه إلى الشهر الخامس من العام الجاري، وقد تقدم أصحاب العلاقة والمتضررون بالعديد من الشكاوى سابقاً لم تأخذ محمل الجد لذا توجهوا بمذكرة تفصيلة إلى الوزير والأخيرة لم تلقى رداً يليق بها ويقدم الحل المناسب.